#الجزائر_و_روسيا
#علاقة_وجودية:
بقلم #محتالي_عدنان
العلاقة بين الجزائر و روسيا تتجاوز البعد الإستراتيجي، بل تصل إلى حد تطابق المسارات التاريخية، و حتى السجال الوجودي، و هنا أنا لا أبالغ و الهدف من منشوري ليس الإحتفاء و الإشادة بالعلاقة بين البلدين، و لكنني أحاول التنبيه إلى أن روسيا، لطالما كانت و لا تزال عاملا مؤثرا في إستقرار الجزائر و قوتها، هذا الواقع لا يمكن نكرانه، و خصوصا لما نعرف (وزيادة على دعم الثورة الجزائرية) أن:
1️⃣ الإتحاد السوفياتي وصل أوج قوته منتصف السبعينيات و يُعتقد أن قوته العسكرية و نفوذه الجغرافي فاق الولايات المتحدة و حلفاءها في تلك الفترة، و هي في نفس الوقت أبهى الفترات التي عاشتها الجزائر في القرن العشرين.
2️⃣ في بداية الثمانينيات، بدأت إستراتيجية الإحتواء التي طبقتها الولايات المتحدة في إعطاء ثمارها، فقد بدأ آنذاك الإتحاد السوفياتي في التقهقر، و بدأت دول البلوك تتمرد، وصولا إلا سنة 1986، و في المقابل و في نفس الفترة تقريبا، إلى حدود 1988، ساءت الأوضاع في الجزائر كثيرا، و كثرت الأزمات و الإحتجاجات.
3️⃣ بين سنتي 1986 و 1991، و تحت ضغط الجبهة الإجتماعية الغاضبة و العقوبات الإقتصادية القاسية، قام الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي ميخائيل ڨورباتشوف، بإقرار سياستي الإنفتاح السياسي Glasnost، و إعادة الهيكلة الإقتصادية Perestroika ليجهز على ما تبقى من الإتحاد، و ليتفكك تماما سنة 1991، و في نفس الوقت تقريباً، اي 1989، قام الرئيس الجزائري الراحل الشادلي ين جديد، بالتخلي عن نظام الحزب الواحد و إعلان التعددية الحزبية، لتزداد الإحتجاجات حدة وصولا إلى سنة 1992.
4️⃣ تفكك الإتحاد السوفياتي و تحملت روسيا تحت قيادة بوريس يلتسن تكاليف الهزيمة، و دخلت في 8 سنوات من التقهقر و الفساد، تم فيها بيع ما يزيد عن 85% من القدرات الإنتاجية لها، بسعر لا يتجاوز 3 مليار دولار، إضافة إلى حرب الشيشان الثانية التي بالكاد استطاعت الفوز بها، و تلك هي المرحلة الأسوء التي عرفتها الجزائر في تاريخها المعاصر، قتل فيها ربع مليون شخص و كادت الدولة أن تختفي.
5️⃣ في سنة 1999، تم تعيين فلاديمير بوتين رئيسا للوزراء، و بعدها رئيسا بالنيابة بعد تنحي يلتسن، ليتم انتخابه في نفس السنة، ليبدأ حظ الروس في التغير للأحسن، و هي نفس السنة التي وصل فيه الرئيس الراحل عبد العزيز لوتفليقة للحكم، لتعلن فيها الجزائر نهاية العشرية السوداء و دخول الوئام و المصالحة الوطنيتين حيز التطبيق.
6️⃣ بين سنتي 1999 و 2014، عاشت روسيا أزهي أيامها، فلقد استفادت من ارتفاع اسعار النفط، و علاقات جد دافئة مع أوروبا، و قد قام الرئيس الروسي خلالها بالتخلص من كل الطبقة السياسية و العسكرية الشيوعية، و في نفس المرحلة بالذات، كان بوتفليقية يتخلص من منافسيه، الواحد تلو الآخر، ليكون الفريق محمد مدين آخر المسامير المقتلعة في تلك السنة.
7️⃣ في سنة 2014، ساءت العلاقات الأوروبية الروسية كثيرا، بسبب إستيلاء الروس على جزيرة القرم الأوكرانية، و دعم حركات إنفصالية فيها (منطقة الدومباس) عقابا لها على التقارب مع أوروبا و رغبتها في الإنخراط في حلف الـ NATO، و قام بالإتفاق مع ألمانيا على مد أنبوب الغاز. NORD STRAM الذي يتجاوز أوكرانيا و يمر مباشرة إلى ألمانيا، بعد أن كانت أوكرانيا معبر أساسيا للغاز الروسي نحو أوروبا، و قد ضايقت روسيا كثيرا مهددة إياها بقطع الإمداد عبر أراضيها، و هنا نرى التشابه بين المسألة الأوكرانية و بين الصراع الجزائري المغربي، بداية بدعم البوليزاريو، و تشديد العقوبات عليها نتيجة التطبيع، وصولا إلى وقف امدادها بالغاز و تجاوزها بأنبوب مباشر نحو إسبانيا.
إستنادا إلى كل هذا ، يمكننا الملاحضة أن الحالة السياسية في روسيا، صعودا أو تقهق، لها تأثير مباشر على صعود أو تقهقر الجزائر، فهي الدولة مصدر أغلب التسليح الجزائري ، و هنا يجب أن ندرك أن السلاح الذي تحصل عليه الجزائري سلاح نوعي لا يعطى لغيرها سوى للهند و الصين، كما أن روسيا تقدم دعما سياسيا مطلقا للجزائر (مظلة سياسية) بما فيها الفيتو، الجانب السيء الوحيد من دعم الروس للجزائر، هو أنهم قادرون على الضغط على أي دولة إلا الولايات المتحدة، فإذا كانت مشكلتنا معها، فسيقول الروس : You are on you own.
هذه المعاملة الخاص ليست مزية بطبيعة الحال، فسياسات الإمداد بالغاز التي تحكم بها روسيا قبضتها على عنق أوروبا، سوف تنهار من دون تنسيق مع الجزائر، كما أنه لا وجود لحليف روسي في غرب المتوسط بمقربة من مضيق جبل طارق.
حسب تصريحات رجال الدولة الروس، فإن الجزائر حليف عنيد و صعب المراس، و جد متطلب، يتعامل مسؤولوها بندية كبيرة مع نظرئهم الروس.
من خلال كل هذا يمكننا النظر في شيء من المستقبل، فتزايد قوة روسيا و نفوذها، سيرافقه صعود للجزائر أيضا، و لا يوجد في الأفق من عائق للبلدين، خصوصا و أن روسيا تعتبر طرفا ثانويا في صراع الصينيين مع الأمريكان، و أن لها القدرة على المساومة من أجل إختيار الطرف الذي ترى أنه له الغلبة بينهما، تماما كما فعل الصينيون في سبعينيات القرن الماضي عندما قرروا ابتعاد عن السوفيات و الإصطفاف مع بلد العم سام، ليعود عليهم ذلك بمنافع إقتصادية جمة.
إرسال تعليق