فرصة تاريخية لجعل الجزائر قبلة للشركات الألمانية
تلقى اليوم الرئيس تبون مكالمة هاتفية من طرف نظيره الألماني فرانك شتاينماير، و قد هنئه على سيتينية الإستقلال، كما تناول سبل التعاون في عدة مجالات كالطاقة و الصناعات الميكانيكية، البناء و التبادل الثقافي، و عرج الطرفان على عدة قضايا إقليمية كمالي، ليبيا و الصحراء الغربية، لكن أهم ما جاء في البيان هو اتفاق الطرفين على ضرورة إجتماع اللجنة المشتركة للتعاون #في_أقرب_وقت.
يمكن إعتبار هذه المكالمة، و الظروف الدولية التي توافقها، مؤشرا على واحدة من تلك الفرص النادرة التي تصادف دولة ما، مرة في العمر، حيث تجعلها ترتقي إلى مصافات أعلى في وقت قصير جدا إذا احسنت إستغلالها، كما حدث لدول جنوب شرق آسيا في سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي، أو قد تهدرها و تضيع معها مكاسب جمة، و لا ينفع الندم آنذاك، و هذا ما سنشرحه في هذا المقال.
في البداية، يجب أن نوصف الحالة الجزائرية بدقة، حيث راهنت السلطات في الجزائر على إستقطاب الرأس مال و الإستثمارات الأجنبية كشق مهم من خطتي الإقلاع الإقتصادي و التموضع الجيوستراتيجي، و قبيل شهر فيفري الماضي، كانت لا تزال غير قادرة على إيجاد السبيل إلى ذلك ، لكن أندلاع الحرب في أوكرانيا خلق واقع مغايرا تماما، حيث أن تذبذب الإمدادات الطاقوية من روسيا نحو أوروبا، خلق مزيجا من الندرة و الإرتفاع الجنوني لأسعارها، و لقد منح هذا الوضع للجزائر أفضلية كبيرة بسبب إمتلاكها لكميات معتبرة من المواد الطاقوية يمكن توجيهها للتصدير، إضافة إلى قربها من أوروبا و إمتلاكها للبنية التحتية التي تسمح بنقل الغاز بأسعار تنافسية، أقل بكثير من أسعار الغاز المسال الذي تصدره الكثير من الدول، على غرار الولايات المتحدة و قطر، كما لا يجب أن ننسى ما تملكه من إمكانيات مهمة تسمح بإنتاج الطاقات الخضراء، كالطاقة الشمسية، أو تلك المستخرجة من الهيدروجين، كل هذا جعل الجزائر مركز إهتمام لكل الدول التي تحتاج بشدة لهذه المواد الحيوية، و فعلا فقد إستطاعت التموقع و عقد عدد معتبر من الإتفاقيات الثنائية المفيدة، مع عدد من الدول، كإيطاليا و فرنسا.
بالنسبة لألمانيا، فتعتبر ثاني أكبر المتضررين من الظروف العالمية الحالية بعد أوكرانيا نفسها، حيث أن اقتصادها الضخم كان يعتمدم بشكل أساسي على الغاز و النفط الروسيين، و لقد دفع انسياق ألمانيا مع موجة فرض العقوبات الغربية على روسيا، إلى التقليل المحسوس من إمدادات الغاز لها، و رغم محاولتها تعويض كل هذا بالغاز المسال الأمريكي إلا أن الضرر قد حدث فعلا، و هي تعاني اليوم شحا شديدا في الطاقة دفع عددا معتبرا من الشركات إلى وقف أو تقييد نشاطاتها، و رغم الثقل السياسي لألمانيا على الصعيدين الأوروبي و العالمي، إلا أنها عجزت عن معارضة القرارات الغربية بقيادة أمريكا، المضرة بمصالحها الوطنية.
لكن المرعب بالنسبة للألمان، ما يحدث هذه الأيام من تجليات، تشير كلها إلى أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى تحطيم روسيا فقط بل ألمانيا أيضا، حيث صدرت منذ أيام تقارير صحفية تشير إلى أن جهات أمريكية رسمية و شبه رسمية، تقوم منذ 4 أشهر بحملة من أجل نقل نشاط المؤسسات الألمانية الكبرى إلى الولايات المتحدة، و قد نجحت بالفعل في ذلك إلى حد كبير ، إضافة إلى قتل أي أمل في التعافي الإقتصادي بعد تخريب أنبوبي الغاز Nord Stream واحد و إثنين، و الكل يعلم بما في ذلك الألمان و الأمريكيون أن الفاعل هو الإدارة الامريكية، أما المؤشر الثالث فهو تنديد وزير الإقتصاد الألماني Hebbek بالأسعار الخيالية التي يفرضها بعض الحلفاء مقابل تزويد ألمانيا بالغاز، ملمحا إلى الولايات المتحدة، كل هذا يشير إلى وجود هدم منهجي للنسيج الإقتصادي الألماني، و إبتلاع له من طرف الولايات المتحدة.
و مع دخول فصل الخريف، فإن أزمة الطاقة في ألمانيا ستتضاعف، و لهذا فقد بدأ المستشار الالماني Olaf Scholz جولة إلى دول الخليج من 24 الى 26 من سبتمبر، زار خلالها السعودية، الإمارات و قطر من أجل الحصول على حصة أكبر من الغاز، و رغم الرسائل الإيجابية التي قدمها للإعلام، إلا أن العديد من الخبراء أكدوا أن المستشار قد عاد إلى بلده خالي الوفاض، و ما زاد المشهد تعقيدا ما حدث قبل البارحة ، ففي حين كان الغرب يبحث عن أليات لفرض تسقيف على سعر النفط الروسي المتجه نحو أوروبا، قرر تكتل OPEC+ تخفيض إنتاجه بـ 2 مليون برميل يوميا من أجل رفع سعره، مما زاد ضغطا آخر على الألمان و الغرب عموما.
كل هذه العوامل، أضفت إلى إتصال الرئيس الألماني بنظيره الجزائري، تمهيدا لما سيحدث بعد ذلك من تفاهمات، حين أن الألمان على علم أن الجزائر، و حسب تجارب إيطاليا و فرنسا، لا تبيع الغاز فقط، بل توفره مقابل منافع سياسية و إقتصادية أخرى، و لهذا تم تناول لقاء اللجنة المشتركة بين البلدين، بدل زيارة مباشرة لأحد المسؤولين الألمان.
#الأهمية:
تعتبر ألمانيا أقوى الدول الأوروبية إقتصاديا و أكثرها تطورا، و تتفوق بمراحل عديدة عن تظيراتها الفرنسية و الإيطالية اللتين عقدت معهما الجزائر إتفاقات تعاون، أي أن اتفاق جزائري مع الألمان ستكون له عوائد مصلحية أعلى بكثير من الإتفاقيات السابقة، و هي عوائد تحتاجها الجزائر بشدة من أجل تكثيف النسيج الصناعي و تحقيق الإقلاع الإقتصادي:
1- إستقطاب الإستثمار الألماني في مختلف المجالات.
2- إستقطاب رؤوس الأموال التي ستضخ في السوق الجزائري من اجل تجسيد هذه الإستثمارات.
3- نقل الخبرات و التكنولوجيات الحديثة.
4- نقل العقلية المهنية الالمانية إلى العمالة و المقاولين الجزائرين مما سيزيد حتما في كفاءتهم و مردوديتهم.
ليس من عادة الألمان التنازل إلى هذا الحد، فقد بقيت بلادهم بعيدة عن أي تعاون مباشر واسع مع الجزائر لمدة طويلة، لعدة أسباب، منها ما هو جغرافي و منها ما هو سياسي و حتى نفسي، لكنهم اليوم في أمس الحاجة إلى ما نستطيع توفيره، و سيجعلهم هذا يقدمون تنازلات قد تبدو لنا معتبرة لكنها ستكون هامشية بالنسبة لهم بالنظر إلى حجم التهديد الذي يحوم حول إقتصادهم.
و لهذا فمن المهم على السلطات الجزائرية أن تمرر رسائل جد إيجابية، و أن تظهر نيتها في تلبية إحتياجات الألمان من طاقات أحفوريةحتى و لو كان ذلك على حساب دول أخرى أقل شأنا، كإسبانيا مثلا، و تسهيل إستثمارهم في ميدان الطاقات المتجددة و النظيفة، مقابل إلتزام ألماني بعقد شراكات حقيقية و #مباشرة مع الجزائر.
#ما_الذي_يجب_أن_تسعى_إليه_الجزائر.
من المهم جدا على السلطات في الجزائر أن تحسن إختيار ما يجب أن تستهدفه من ميادين للتعاون:
1- و هنا و كأول خطوة، يجب تجنب التركيز على إستقطاب الشركات الألمانية الكبرى، فقد سبق و أن ذكرت أن هذا النوع من الشركات يقع تحت ضغط الولايات المتحدة، و هي التي تقوم بتفكيك إقتصاد ألمانيا من أجله، أي أن فرص التنافس و مزاحمة أمريكا منعدمة تقريباً، لا بأس طبعاً في بذل الحد الأدنى من الجهود في هذا الإطار، و إستقطاب ما أمكن، لكن من المهم أن يوجه الجزء الكبير من الجهود إلى إستقطاب استثمارات نوع آخر من الشركات.
2- بدل ذلك، يجب السعي إلى إستقطاب الشركات الصغيرة و المتوسطة، و التي تتوفر فيها بعض الشروط، كتلك التي تعاني تهديدا بالإفلاس بسبب إرتفاع أسعار الطاقة، الشركات التي تمارس نشاطها في ألمانيا و أو تمتلك معامل في أوروبا الشرقية، و التي تضررت هي أيضا من هذه الإرتفاعات، الشركات التي توجه إنتاجها نحو الألمانيا و الحيز الأوروبي عموما، و أخيرا، الشركات التي تقدم منتوجات و خدمات يمكن إستهلاكها في المحيط الشمال إفريقي و كذا في عمق القارة السوداء.
3- بالنسبة للشركات الناشئة فمن الصعب إستقطابها، ذلك أن عدد كبيرا منها مازال يعتمد على الـ Ecosystem الألماني، و بالتالي فما يمكن فعله هنا هو تكثيف التعاون مع نظيراتها الجزائرية من أجل نقل التجارب فقط .
يعتبر إستقطاب الشركات الناشئة الألمانية أمرا قليل الجدوى، ذلك أن إنشاء هذا النوع من المؤسسات يأتي إستجابة و تقديم حلول مبتكرة لحاجيات السوق الألماني و الأوروبي، و بما أن حاجيات الجزائر و بقية دول الجنوب تختلف كثيرا، فإن انتقال نشاطها إلينا لن يقدم إضافة كبيرة.
#ما_الذي_يجب_القيام_به؟
من أجل التمكن من إقناع السلطات و الشركات الألمانية بالقدوم إلى الجزائر، وجب تقديم جملة من التحفيزات، لكن قبل ذلك يجب التعرف أولا على منافسينا.
لنكون واقعيين و موضوعيين، لم يكن من غير الممكن مزاحمة أي أحد من منافسينا لو كنا في ظروف إعتيادية، لكننا بعيدون اليوم كل البعد عن الإعيادي، حيث نقلبت كل الموازين و المعايير.
تسعى كل من الولايات المتحدة، الصين، دول جنوب شرق آسيا، دول الخليج، تركيا و البرازيل إلى إستقطاب الإستثمار الألماني، تتفوق كل هذه الدول و بشكل غامر على الجزائر في نظمها النقدية التي تسهل المعاملات المالية، لكن الشركات الألمانية اليوم تعاني من مشاكل أكثر قاعدية و حرجا، إشكالية الوجود و إستمرار النشاط في حد ذاته.
بالنسبة لـ #الولايات_المتحدة ، فهي تركز على الشركات الكبرى، و ستنال على الأرجح مرادها، و حتى هذه الشركات تبقى قادرة على الإستمرار في ظل بيئة أمريكية تتسم بالتنافسية الشديدة، بما أن هوامش ربحها كبيرة جدا، أما الشركات الصغيرة فستكون غير قادرة على التنافس، فلا يجب أن ننسى أن حتى أمريكا تعاني من إرتفاع لأسعار الطاقة و التضخم.
بالنسبة لـ #الصين، فقد أرتفعت فيها أجور اليد العاملة، و إرتفعت فيها أسعار الطاقة أيضا رغم استفادتها من أسعار تنافسية للمواد الطاقوية الروسية، لكن الهاجسين الأكبرين هما ابتلاع الصينيين للتقنيات (مشكلة الملكية الفكرية) و كذا التضرر من اي عقوبات أمريكية محتملة على الصين مستقبلاً.
بالنسبة لدول #جنوب_شرق_آسيا و #تركيا، فتعاني كلها من نسب تضخم كبيرة و إرتفاع لأسعار الطاقة، الأمر فيها لا يختلف كثيرا عما يحدث في أوروبا.
بالنسبة لدول #الخليج، فرغم ما تملكه من أسعار طاقة تنافسية إلا أن أجور العمال فها مرتفعة جدا بالمقارنة مع الجزائر، تعتبر هذه الدول المنافس الأساسي و الصعب لأي جهد ستبذله الجزائر، و لهذا وجب التركيز على الشركات التي تنتج للسوق الأوروبي، و ستتجنب الإستثمار في الخليج بسبب ارتفاع أسعلر الشحن.
بالنسبة لـ #البرازيل و لبقية دول أمريكا الوسطى و الجنوبية، فهي دول قد تستثمر فيها شركات كبرى فقط، تسعى إلى توسيع نشاطها إلى هذا الجزء من العالم، لا أن تنقل نشاطها الأساسي.
بعد أن تعرفنا على المنافسين المحتملين، يمكننا وضع الإجراءات و التحفيزات التي يتعين على الجانب الجزائري تقديمها، لا يمكن هنا التهرب من الواقع الذي يقول أن الجزائر تعاني من نقائص كبيرة، خصوصا كما ذكرنا سابقا، ضعف المنظومات النقدية و الجبائية، لكن يجب أيضا أن نشير إلى أن الرغبة السياسية القوية و الضرورة ستمكنان من تجاوز هذه العقبات:
1- يجب أولا تقديم ضمانات حقيقية لتزويد ألمانيا بما أمكن من الطاقة، و الإستثمار في الطاقات الخضراء، و ذلك لخلق الحافز و الإستعداد الرسمي لديهم من أجل دفعهم إلى إقناع الفئات المستهدفة من شركائهم الإجتماعيين.
2- يجب كسر الهاجس النفسي لدى الألمان المتمثل في الدخول مع الجزائرين في شراكات ثنائية و مباشرة، حيث انهم كانوا في السابق يقحمون أطراف أخرى، فعلى سبيل المثال، تم إدخال الإمراتيين في الشراكة مع Mercedes ، و القطريين في مشروع المستشفى في العاصمة، ففي حال تعرف الألمان على جدية و إلتزام شركائهم الجزائريين، فسيزول الخوف و سترتفع وتيرة الإستثمارات في المستقبل.
3- السعي إلى التعريف بالمميزات و التحفيزات الواردة في قانون الإستثمار الجديد، لدى الاوساط الرسمية الألمانية، و حتى على مستوى مختلف تكتلات أرباب الاعمال عن طريق التمثيليات القنصلية.
4- يجد الألمان صعوبة في التأقلم في بيئات اقل تحضرا، و لهذا يجب إبداء إستعداد الجزائر لتوفير خطوط جوية charter من و إلى مختلف ولايات البلدين، من أجل تبديد البعد عن الديار كعقبة أما التفكير في الإستثمار في الجزائر.
5- بما أن قرب الجزائر من أوروبا يعد أحد أكبر ميزاتها مقارنة ببقية منافسيها، فيجب ترجمة هذه الميزة على أرض الواقع ، من خلال إقرار تخفيضات جبائة و تسهيلات جمركية للمواد الأولية الواردة من ألمانيا و كذا المنتجات الموجهة من طرف الشركات الألمانية نحو أوروبا، كما يمكن تخصيص خطوط نقل بحرية مباشرة و بأسعار تنافسية.
6- من أهم ميزات الجذب الأخرى، إنخفاظ الأجور بالمقارنة مع كل الدول المنافسة، و يمكم للسلطات أن تدعم هذه الميزة، من خلال التعهد بـ #تأطير النشاطات النقابية و الحركات العمالية، و لو بشكل جزئي، و هنا يجب الإشارة إلى أن كل الدول في آسيا قد قدمت عروضا مماثلة من أجل إستقطاب الرأس مال و الإستثمار الإجنبيين، كما أنها إستفادت من هذه الإجراءات في تغيير سلوك العمال و جعلهم أكثر إنتاجية و نجاعة.
كما يجب الدفع إلى تسريع الإصلاحات المتوسطة و البعيدة المدى، المتخذة من أجل، تحديث المنظومات النقدية، الجبائية و البنكية ، و إصلاح العدالة، و الرقمية، و توسيع وعاء السوق الرسمي، و يجب الترويج إعلاميا و بقوة - على الصعيد الدولي و بمختلف اللغات - للنتائج المسجلة، و هذا في سبيل تحسين مناخ الأعمال في الجزائر، ليس لصالح الألمان او الإيطاليين فقط، بل لكل مستثمر اجنبي أراد نقل نشاطه أو توسعته.
الرجاء دعم الفكرة... Please, endorse the idea
رئاسة الجمهورية الجزائرية
مصالح الوزير الأول-الجزائر
أيمن بن عبد الرحمان - Aïmene Benabderrahmane
وزارة الشؤون الخارجية - الجزائر / MFA - Algeria
وزارة الدفاع الوطني الجزائرية
وزارة الصناعة الجزائرية - Ministry of Industry - Algeria
وزارة التجارة وترقية الصادرات - Ministry of Trade and Export Promotion
وزارة النقل الجزائرية - Ministère des transports Algérie
وزارة الطاقةوالمناجم الجزائر Ministère de l'Energie et des Mines Algérie
وزارة البيئة والطاقات المتجددة
SONATRACH
Air Algerie
Yacine Oualid ياسين وليد
Groupe Saidal
Condor Electroménager
IRIS Algérie
Sonelgaz-سونلغاز
Algérie Télécom - إتصالات الجزائر
Mobilis
Djezzy
المجلس الأعلى للشباب - الجزائر
المجلس الشعبي الوطني
مجلس الأمة الجزائري- Algerian Council of the Nation
Abdellaoui Abderrahim عبد اللاوي عبد الرحيم
Riadh Haoui
Madjid Sedjal
OUCHEN's Talks
Yassir
Algeria Venture
إرسال تعليق