#ردود_الفعل_الغربية_على_الحرب_روسية_في_أوكرانيا
#شرح_للإستراتيجية_الكبرى_للولايات_المتحدة:
#الضغوط_الأمريكية_على_الجزائر_و_كيفية_التعامل_معها:
بقلم #عدنان_محتالي
لقد ولدت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ردود فعل عنيفة من الغرب، و رغم تأكيد الولايات المتحدة و الإتحاد الأوروبي عدم مشاركتهما الفعلية في التصدي للروس، إلا أن حجم العقوبات الإقتصادية، المساعدات العسكرية للأوكرانيين و التعبئة الإعلامية كان ضخما، فقد إستطاعت الإدارة الأمريكية إقناع جل الدول التي تدور في فلكها، بفرض عقوبات مؤلمة على الإقتصاد الروسي، و خصوصا فصل بعض البنوك الروسية عن نظام Swift، و هي عقوبات تتعارض مع مصالح بعض هذه الدول، بل تضر بها بشدة أحيانا، كما تحول الإعلام الغربي إلى أدوات دعائية و وسائل حرب سيكولوجية لصالح أوكرانية، لكن أغرب العقوبات هي تلك التي استهدفت الرياضيين و الأكاديميين الروس، و يمكن إعتبار حزم العقوبات بمختلف أشكالها، الأضخم منذ الحرب العالمية الثانية.
للوهلة الأولى، يبدو للمتابع المهتم بهذه الحرب، أن العقوبات و الضغوط التي يتعرض لها الروس، مبالغ فيها و غير عقلانية، لكن معرفة العقلية الإستراتيجية الأمريكية، و كذا أهمية الإنتصار في هذه الحرب، تجعلان ردود الفعل الغربية متفهمة من وجهة نظر واقعية Realist point of view.
يمكننا تقسيم ردود الفعل الغربية على الحرب التي تشنها روسيا إلى 4 مستويات:
على #المستوى_الرابع، لدينا ردود الفعل الشعبية، و التي استندت لسنوات من الخضوع للإعلام الغربي المنحاز، و الإستماع لوجهة نظر أحادية الجانب، إضافة إلى حالة من الهلع، خلقها وصول الحرب إلى حدود أوروبا، و هو أمر لم يكن يتوقعه المواطنون الأوروبيون أبدا، و هم الذين ألفوا بؤر صراع بعيدة عنهم، كالشرق الأوسط، إفريقيا و آسيا، و لهذا فإن رؤيتهم لنمط حياتهم المريح عرضة للتهديد سهل تماهيهم مع و استجابتهم لرسائل إعلامهم.
أما على #المستوى_الثالث، فنجد الإعلام، الذي لطالما تغنى بحرية الرأي و حرية التعبير، و لطالما أظهر إختلافا مسرحيا في وجهات النظر، بين الليبيرالي و الواقعي، بين الإشتراكي و الرأس مالي، لنجده فور إندلاع الحرب، قد شكل آلة إعلامية، لا بل دعائية واحدة، تحمل نفس الخط و نفس الأخبار و نفس البروباغوندا، و لا يهم هنا إذا ما كانت القناة أو الموقع أمريكيا، فرنسا أو تركيا أو يابانيا... نفس الأخبار و الإختلاف في لغة الإلقاء فقط.
و هنا يجب أن نفهم كيفية شد الخيوط، إن القوانين التي تنظم نشاط الإعلام الغربي تولي إهتماما كبيرا لحريته (من الجانب الشكلي طبعا)، و هذا على عكس الإعلام في الدول الشمولية التي يقيد نشاطه و يوجهه بشكل فاضخ من خلال القوانين، و هو ما يعرف بـ التقييد الإداري Administrative censorship ، لكن فور تحول الأوضاع من العادي إلى الإستثنائي، كالحروب، تتلاشى مظاهر الحرية، و تبدأ التعبئة، لكنها لا تعتمد على الطرق الإدارية و إنما بإستعمال شبكة المصالح الإقتصادية Corporate censorship ،حيث أن المسؤولين الكبار في الدولة يمررون رسائل شفهية لأصدقائهم و شركائهم في القطاعات الإقتصادية و عالم المال و كذا الإعلام نحو خدمة هدف موحد، و يكون حجم التعبئة متناسبا مع حجم الخطر، و لهذا فإن حجم التعبئة الإعلامية و حجم الدعاية Propaganda الضخمتين في حالة الحرب الأوكرانية، و حتى إقحام مراكز الدراسات التي لطالما عرفت بالحياد و الموضوعية في كل هذا، يدل أن الخطر جلل بالنسبة للغرب، من الخطر ما جعل الصوت المخالف يختفي بشكل شبه تام.
و في #المستوى_الثاني، نجد تعاطي الدول الحليفة للولايات المتحدة مع الأزمة على الصعيد الرسمي، و هنا نرى أن سلطات هذه البلدان و خاصة الأوروبية منها، قد إستعملت نوعين من الإجراءات، النوع الأول و هو إقتصادي، تراوح بين عقوبات إقتصادية تم تسليطها على أشخاص و كيانات على علاقة بروسيا، بالإضافة إلى تقديم مساعدات لأوكرانية، مالية كانت، أو في شكل مساعدات عسكرية أو إنسانية، النوع الثاني هو الإجراءات ذات الطابع السياسي و الإستراتيجي، كإرسال قوات عسكرية للدول التابعة للحلف، المتاخمة لبؤرة الحرب، كشكل من أشكال الضغط، و إجراءات قانونية جاءت كتكملة للحرب الإعلامية، حيث تم منع أو تقييد نشاط المنابر الإعلامية و التطبيقات المتعاطفة مع الجانب الروسي، بالإضافة إلى إبعاد روسيا من المنافسات الرياضية الرسمية و النشاطات العلمية و الثقافية.
أما الدافع وراء فرض مثل هذه الإجراءات فهو نابع من شقين، الأول هو وعي حكام هذه البلدان أن إستمرار حالة الإزدهار و الرقي متعلق بالدرجة الأولى بإستمرار تفوق الولايات المتحدة و إستمرار النظام الذي شيدته و منحتهم من خلاله إمتيازات إقتصادية بصفتهم حلفاء لها، أما الشق الثاني، فيتمثل في حجم هائل من الضغوط التي مارستها الإدارة الأمريكية على هذه الدول، فلقد شاهدنا المقاومة التي أبدتها ألمانيا في البداية، لكن سطوة الأمريكان كانت أكبر من أن يتم تجاهلها أو تحديها.
على #المستوى_الأول، و هو المستوى الأعلى درجة و الأعلى أهمية، نجد الولايات المتحدة الأمريكية و تقفيها للإستراتيجية الكبرى Grand strategy الخاصة بها، التي رسمها خبراءها منذ سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي و ذلك للحفاظ على نفسها كدولة مهيمنة Hegemony، و الذي يتجلى في التحكم في العالم الغربي على المستويات الثلاثة الأخرى، الحلفاء، الإعلام و الشعوب.
لقد أنشأت الولايات المتحدة إستراتيجيتها الكبرى في أوروبا بناء على كتابات أب الجغرافيا السياسية Halford Mackinder و مفاهيم الأرض المركزية Heartland في قارة أوراسية و الأرض المحيطية Rimland، حيث يقول أن من يسيطر على الأرض المركزية يسيطر على أوراسيا و من يسيطر على أوراسيا فسيسيطر على العالم، إضافة إلى أفكار إستراتيجيين آخرين كـ Spykman و Lippmann، و هي الأفكار التي تدفع الولايات المتحدة إلى محاصرة روسيا و منعها من التقدم نحو أوروبا المحيطية، و حشرها حيث هي.
لقد إستطاعت الولايات المتحدة بناء قوتيها الإقتصادية و العسكرية بفضل تمتعها بالأمن الذي قدمه لها موقعها المحمي طبيعيا من التهديد (الفواصل البحرية للأطلسي و الهادي)، و لقد إستطاعت من خلال قوتيها في خلق شبكة من الحلفاء في المناطق الأكثر أهمية لها، و التي تعتبر أيضا مناطق للتنافس الدولي و بؤر توتر، كأوروبا بعد الحرب العالمية 2، جنوب شرق آسيا و الشرق الأوسط، فجعلت من حلفائها قوى إقتصادية مزدهرة، لكنها أبقت على قدراتها العسكرية في مستوى منخفظ، بإستثناء كبار الحلفاء كفرنسا و بريطانيا، و لقد عوضت الضعف العسكري بتولي حماية هذه البلدان شخصيا، عن طريق نشر قواعد عسكرية أو وضعها تحت المظلة النووية الأمريكية.
و لقد ربط الأمريكان إقتصادات هذه الدول بالنظام المالي العالمي بشكل جعل إستمرار ازدهارها متعلق حصرا بإستمرار هيمنة الولايات المتحدة و مؤسساتها الأمنية و المالية، فعلى سبيل المثال، تستفيد الدول الغربية بشكل حيوي من الإنتماء إلى المنظمة العالمية للتجارة، كتقليص التعاريف الضريبية و سرعة التحويلات المالية و غيرها، و هذا ما يجعلها رهن إشارة الولايات المتحدة، مع بعض الإقناع هنا و بعض الإكراه هناك.
أما تجاه الغرماء، فتحافظ الولايات المتحدة على عدد من الإضطراب المتاخمة للقوى التي تشعر بتهديد من جهتها، فبالنسبة لروسيا، يتم إستعمال كل من أوكرانيا و جورجيا كمصدر إزعاج و خط دفاع يمنع الروس من التوسع نحو الأوروبا، أما بالنسبة للصين، فتدعم إستقلال جزيرة تايوان، التي يعتبرها الصينيون جزء لا يتجزء من أراضيهم، و بهذه الطريقة، من غير الممكن للصينيين التفكير في توسيع رقعة سيطرتهم على البحار المحيطة ببلدهم، أو كما تعرف بخطوط الجزر الأربعة Island chains دون إستعادة تايوان.
كما يلعب الدعم اللامحدود و اللا مشروط لإسرائيل نفس الدور في منع إلتآم شمل العالم الإسلامي و الوطن العربي، و تحوله لقوة منافسة، قد يستهزأ الواحد فينا بقدرات العالم الإسلامي، نظر للتخلف التكنولوجي و حالة التشرذم السائدة حاليا، لكن مصدر الخطر الذي يستشعره الغرب يتمثل في منظومة القيم العقدية التي تحدث عنها Huntington بإسهاب في كتابه صدام الحضارات، و خصوصا الجهاد و الإستعداد للموت أو كما نعرفه بالشهادة، و كذا دار السلم/دار الحرب، بإختصار فإن كيان إسلاميا موحد الموارد و الأهداف، و جيشه المسلح و المشبع بعقيدة الجهاد و الشهادة و التضحية، يصبح جيشا لا يقهر، مهما كان الغريم متفوقا على صعيد العدد أو التكنولوجيا.
إن ما يقوم به يوتين و الروس اليوم، هو محاولة لكسر الحصار الأمريكي المفروض عليهم، أما الإستراتيجيون الامريكان فيرونه كمحاولة روسية للتوسع من الـ heartland نحو الـ Rimland، أي تهديد مباشر و حقيقي للهيمنة الأمريكية، و في حالة إنتصار الروس و إختراقهم لأوكرانية، فسيعلن ذلك رسميا عن إنتهاء الهيمنة الأمريكية و القطبية الأحادية، و سيخلق ذلك الشك لدى الحلفاء، و سيبدأ بعضهم في تغيير توجهاتهم، مما سيضعف أكثر تموضع الولايات المتحدة.
و لهذا ، نرى اليوم أن رد فعل الإدارة الأمريكية، و ضغطها على الحلفاء الرسميين و دوائر النفوذ الإعلامية و الإقتصادية كانا شديدين جدا، فهو نابع من خوف شديد من إنهيار توازن القوى الحالي الذي تتزعم فيه هي العالم، و بروز توازنات جديدة قد يعطيها مكانة أقل شأنا.
كخاتمة، يجب أن نشير إلى أن الضغوط الأمريكية لم تتم ممارستها على الحلفاء فقط، بل حتى على بعض الدول التي تلتزم الحياد، أو تلك التي تحسب كحليفة لروسيا، و هذا ما يحدث مع الجزائر اليوم، فرغم أن الأمريكان لا يولون إهتماما كبيرا بإفريقيا بسبب تخلف قاعدتها الإقتصادية، إلا أن مكانة الجزائر في موضوع إمداد أوروبا بالطاقة، و أهمية هذا الموضوع بالنسبة للحرب في أوكرانيا، بحكم إستعمال الروس له كورقة ضغط قوية على الإقتصاد الأوروبي (المزود الأول لها بالغاز بنسبة 40%)، كل هذا جعل الجزائر عرضة للضغوط المباشرة و غير المباشرة، و لقد لاحظنا زيارة مبعوث الإتحاد الأوروبي رئيس الوزراء الإيطالي دي مايو، و طلبه لزيادة حجم الإمدادات الغازية، تلاه ذلك زيارة لقيادات عسكرية إيطالية، و من المرتقب قدوم نائبة كاتب الدولة للخارجية الأمريكية Windy Sherman في التاسع من مارس القادم.
نظرا لحجم التهديد الذي يحس به الأمريكان، فمن غير الممكن معرفة حجم الضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكية على الجزائر ، و كذا حجم المساومات التي هي على إستعداد لتقديمها، و من غير المعروف أيضا إمكانية مقاومة هذه الضغوط، و لهذا ، و في حالة كون هذه الضغوط من القوة ما يجعل الجزائر غير قادرة على التصدي لها، فوجب وضع مطالب ذات طابع إستراتيجي و منفعة بالغة للجزائر مقابل تعاون جزائري #شكلي_و_خادع مع الولايات المتحدة، كالإعتراف بإستقلال الصحراء الغربية، و الحصول على عضوية في المنظمة العالمية للتجارة و حصة تصديرية في السوق الأمريكي، و هنالك الكثير من الأمثلة في التاريخ عن تعرض الأمريكان للخداع و تقديمهم لمساومات حينما يكون الخطر كبيرا.
كما يجب الحرص أيضا على أن يتفهم الروس الموقف الجزائري، و حجم الضغط الممارس عليها، و كذا حصولهم على تطمينات بأن التعاون الجزائري شكلي و سيتم اتخاذ كل الإجراءات من أجل تمييعه و جعله بلا أضرار على أوراق الضغط الروسية على أوروبا و الغرب.
إرسال تعليق