#من_يستفيد_و_من_يتضرر_من_الحرب_على_أوكرانيا
بقلم #عدنان_محتالي
لم يقتصر تأثير العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا على الدولتين المعنيتين فقط، بل أنه إمتد إلى كل دولة في المعمورة، فلقد قال كاتب الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن أن حرب بوتن تهدد بتغيير النظام العالمي القائم، بعض الدول استفادت و تستفيد من هذه الحرب و بعضها تأثر منها سلبا، سنحاول هنا تناول تأثير الحرب على أهم الدول، و الدول ذات الظروف المشتركة، أكان إيجابيا أو سلبيا، بما في ذلك الجزائر.
في البداية، سنتحدث عن الخاسر الأكبر، ألا و هي #أوكرانيا بصفتها أرض المعركة، فالكثير من الأرواح تزهق الآن، من عسكريين و مدنيين، إضافة إلى بنيتها التحتية التي تشهد دمارا هائلا بسبب القصف الروسي، وبسبب العمليات التخريبة التي يقوم بها الجيش الأوكراني، كتفجير الجسور، تحطيم السكك الحديدية و تفخيخ المنشآت الحيوية من أجل تأخير تقدم الجيش الروسي.
لقد انجرت أوكرانيا إلى هذه الحرب بناءا على منطق شديد الغباء في قدرتها على مجابهة الروس، و من إعتقاد خاطئ بأن الغرب سيقف إلى جانبها و يجنبها الصدام مع معهم، و لكن حساباتهم قد تسببت في احتمال إختفاء كيان دولة اسمها أوكرانيا.
الدولة التالية التي يجب أن نتحدث عنها هي #روسيا بصفتها الطرف الثاني في الحرب، إن ما تتعرض له من عقوبات إقتصادية و محاولات غربية لعزلها عن العالم، و كذا حجم الإنفاق العسكري الذي يتطلبه غزو أكبر دولة في أوروبا، يجعلها تبدو خاسرة أيضا، لكن، لمن يعرف الجيوسياسة و كذا العقلية الروسية، يعلم جيدا أن كل ما تم ذكره من خسائر لا يقارن بتاتا بحجم خسارة أوكرانيا لصالح حلف الناتو، و ما يترتب عنه من تقلص للنفوذ الروسي في أوروبا، فقد قال زبيڨنيو يريزينسكي: "روسيا مع أوكرانيا دولة عظمى، روسيا بدون أوكرانيا دولة عادية".
و لهذا ،لا يمكن اعتبار روسيا مستفيدةأو متصررة من دخولها هذه الحرب إلا بعد أن تتضح الصورة و نعرف من انتصر فيها و من حقق أهدافه، فإن انتصر الروس فسيجمعون غنائمها، سيوقفون تمدد الناتو نحوهم و سيصبحون على بعد خطوات من أوروبا، سيعزز هذا من مكانتهم فيها و نفوذهم عليها، أما إذا انهزموا فسيضر ذلك مصالحهم، سيكتمل إحتواءهم و يجعل الغرب على أعتاب موسكو، و بالتالي تجبر روسيا على الإلتفاة نحو آسيا و التنافس فيها مع الصين و التخلي عن طموحاتها في أوروبا.
الآن نتطرق إلى الطرف الغربي الرئيس في الحرب و الشاد الفعلي للخيوط الأوروبية و الاوكرانية و هي #الولايات_المتحدة.
مسألة الإستفادة من الحرب أو التضرر منها بالنسبة لأمريكا أكثر تعقيدا بكثير، فهي دولة متعددة الكيانات، و لكل كيان مصالحه، إستقلاله و أجندته، و هي تتضارب أحيانا مع رأس هرم السلطة.
اول و أكبر المستفيدين هو المجمع الصناعي العسكري، و الذي انتعش قطاعه بسبب المساهمات العسكرية التي وجههتها الإدارة الامريكية و الحكومات الأوروبية نحو أوكرانيا، و خصوصا شركتي Lockheed Martin و Raytheon اللتان تنتجان صواريخ Javelin المضادة للدبابات، حيث تم اقتناء ما يفوق 17000 وحدة، و ثمن الواحدة 80 ألف دولار، ناهيك عن شركات اخرى تمارس نفس النشاط و تشهد نفس الإنتعاش.
الرابح الثاني من هذه الحرب هو مجتمع منتجي النفط و الغاز، حيث أن الشركات الأمريكية المنتشرة في كل أنحاء العالم تستفيد من تضاعف هامش الربح الذي يتناسب طردا مع سعر البيع، هذا من جهة، كما سيستفيد قطاع النفط و الغاز الصخريين، و الذي يمثل الحصة الأكبر من الإنتاج الأمريكي، و كما يعلم الجميع، فإن كلفة انتاج البرميل من النفط الصخري باهضة الثمن، إذ قد تصل إلى 77 دولار للبرميل، لهذا، فإن ارتفاع الأسعار يضاعف حجم الأرباح و يزيد حجم الإستثمار في هذا القطاع ما سيعود عليه بمئات مليارات الدولارات.
لكن الخاسر الأكبر هنا هو القطاع المالي، فتأثير العقوبات الإقتصادية المفروضة على روسيا، يضر بشركائها في كل العالم، و بما في ذلك أمريكا، ناهيك عن أن فرض العقوبات، سيدفع روسيا و الكثير من الدول الاخرى إلى التخفيف من ارتباطها بالمؤسسات المالية الغربية و البحث عن بدائل، كزيادة الإعتماد على نظامي CIPS و SPFS على حساب SWIFT، و اعتماد بطاقات CreditUnion الصينية بدل الـ Visa و الـ Mastercard، و هذا ما سيقلص حتما أرباح القطاع المالي الأمريكي و سيجعله بديل غير آمن، و نحن نعلم أن هذا القطاع مربوط بشدة بموثوقيته.
بالنسبة للنظام السياسي الأمريكي، فالامور غير واضحة بعد، فصراعه مع النظام الروسي صراع صفري، إذا انتصر أحدهم خسر الآخر، الامريكيون بدفعهم للروس و الأوكرانيين إلى الحرب فقد قاموا بمجازفة محسوبة لكنها خطرة، فإذا فشل الروس في تحقيق أهدافهم، فستنتصر الإدارة الأمريكية و ستستمر زعامتها للعالم، أما إذا انتصروا، فيضر ذلك كثيرا بصورة الولايات المتحدة، و يقلل الثقة في النظام العالمي القائم، و سيصرف عنها الكثير من الحلفاء، و نحن نعرف أن تصميم هذا النظام قائم اساسا على صناعة الحلفاء، هذا دون الحديث عن الضربة التي سيتغرض لها الديموقراطيون في الإنتخابات النصفية القادمة.
بالنسبة للشعب الأمريكي، فبحكم ارتباط مصالحه مع واحد من الأطراف التي تم ذكرها، فسينتفع أو يتضرر كل واحد فيهم وفق لذلك.
نأتي الآن إلى الطرف الأكثر تأثرا بالحرب، بحكم القرب الجغرافي، ألا و هو #الإتحاد_الأوروبي.
سيكون أثر الحرب على هذه الدول جد سلبي، أولا بسبب قرب الحرب نفسها، و ما سيببه من ارتباك إقتصادي، و كذا أزمة اللاجئين، كما أن العقوبات التي فرضها على روسيا، ستضر بها مباشرة نظرا للشراكة المكثفة للأوروبيين مع الروس و استثماراتهم الكثيرة في روسيا، لكن الأثر الأكبر هو ارتفاع ثمن المواد الطاقوية، حيث يرجح أن تبلغ اربع اضعاف ثمنها الطبيعي، ناهيك عن الخوف من قطع روسيا لإمداداتها من الغاز، و هو ما سيضع أوروبا في أزمة لا قبل لها بها بسبب انعدام بدائل سريعة.
هنا وجب أن نضع #ألمانيا كإستثناء للقطيع الأوروبي، و يجب أن نشيد بحكمة و بعد نظر سلطاتها.
من المعلوم أن كلا من ألمانيا و اليابان، يخضعان لقيود جد قاسية من طرف الولايات المتحدة، في ما يتعلق بحجم التسليح و نوعه و عدد الجنود، و لهذا فقد جاءت هذه الفرصة من أجل التفاوض مع الأمريكان و فك هذه القيود، و يبدو انها قد نجحت مقابل الإنخراط في الجهود الأمريكية، فقد أعلنت ألمانيا عن رفع قيمة إنفاقها العسكري إلى 100 مليار يورو، بعد أن كان في السنوات السابقة لا يتعدى 50 مليارا، أي أن الألمان ضحوا بتعرضهم لأضرار إقتصادية على المدى القريب، مقابل أهداف إستراتيجية على المدى البعيد، و هذا يظهر لنا مدى يأس الإدارة الأمريكية و ما هي مستعدة لتقديمه في سبيل الإنتصار على روسيا.
أما #الصين، فيمكن إعتبارها الرابح الأكبر و المستفيد الاوفر حظا في هذه الحرب، من جهة، فهي تستفيد من اهتمام أمريكا بغيرها عنها، ما سيتيح لها الفرصة للعمل في صمت، و تعزيز مكتسباتها، كما سيمنحها مكانة مهمة للتفاوض بصفتها قوة موازنة لطرفي الصراع a balancing power.
من جهة أخرى فإن العقوبات الإقتصادية، ستجعل مؤسساتها المالية بديلا مغريا للروس و بقية الدول التي تتخوف من عقوبات مماثلة.
يرى الصينيون أن الصدام مع الولايات المتحدة حتمي، و ستكون روسيا طرف مهما فيه، فمن ينجح في التقارب أكثر معها سيفوز بالصراع، و لهذا فإن العداء الأمريكي الروسي الحالي، سيدفع هذه الاخيرة أكثر نحو الصين.
عدى ذلك، فإن الدول الأخرى التي ستتضرر كثيرا، هي #الدول_ضعيفة_الدخل، إذ أن ارتفاع الأسعار العالمية بسبب انفجار سعر المحروقات، و كذا ارتفاع اسعار القمح و ندرته، سيصيب اقتصادها في مقتل، خصوصا الدول التي ألفت إستيراد القمح الأوكراني.
أما الدول التي ستستفيد من هذه الحرب و من استمرارها فهي تلك #الدول_المنتجة_للنفط_و_الغاز، و لن يهم ذلك إذا ارتفع سعر المنتجات الأخرى، إذ أن بلوغ سعر البرميل إلى 185 دولارا كما تنبأ بنك JP Morgan، سيغطي كل تكاليف الإنفاق لهذه الدول، في سيناريو مشابه لحرب الخليج الثانية.
لنأتي الآن إلى مركز إهتمامنا، و هو أثر الحرب على #الجزائر، يمكننا أن نضعها في اللائحة الأخيرة ، و هي لائحة الدول المستفيدة من ارتفاع أسعار المحروقات، و نزيد على ذلك أنها لا تتأثر على المدى القصير بإرتفاع أسعار القمح و لا بتذبذب الإمداد به، ذلك أنها قامت بإقتناء ما تحتاجه هذه السنة في شهر سبتمبر الماضي و بأسعار جد مناسبة.
لكن القرب الجغرافي للجزائر من أوروبا، يمنحها ميزة إضافية، و محل إهتمام أمريكي و أوروبي، هذا ما عرضها و يعرضها لضغوط كبيرة من أجل زيادة حجم الإنتاج و محاولة تغطية جزء من الإمداد الروسي، لكنه يضعها في نفس الوقت، في موضع جد مناسب للتفاوض و تحقيق بعض المكاسب الإستراتيجية أمام اليأس الأمريكي و إستعدادهم لتقديم تنازلات كبيرة، خصوصا و أن السفير الروسي في الجزائر قد عبر عن أن بلاده لا ترى ضيرا في رفع الجزائر لإمداداتها نحو أوروبا، هذا التصريح و ما قد يمنحه من أمل زائف للغرب لا يمنع وجود تفاهمات سرية بين الجزائر و موسكو.
في النهاية و كخاتمة، نتمنى أن يتم إستغلال الوضع الحالي من أجل تحقيق مكاسب مفيدة للجزائر و تعزيز قيمتها و ثقلها الدولي، بما يتناسب مع حجمها و و تاريخها و آمال شعبها، كالسعي إلى التخلص من التبعية الغدائية و تحقيق الإكتفاء الذاتي في مادتي القمح و الحليب، نعم سيكون ذلك صعبا نضرا لما سيثيره ذلك من ريبة لدى الولايات المتحدة و منظماتها الإقتصادية، و لذلك فالفرص سانحة اليوم من أجل التفاوض حول ذلك.
إرسال تعليق